السبت، 22 مارس 2014

التنقيب عن الماس

قبل كل شيء تذكروا أن جميع النساء تقريبًا يملن إلى التزيّن بالألماس، فيا لها من حجارة باهظة الثمن!!
بعض الرجال كذلك، تجذبهم هذه الحجارة البراقة، لكن الألماس الذي تتزين به النساء، يقطع مراحل طويلة وشاقة قبل أن يصل إليهن.
البداية تكون في المناجم، هنا مثلاً في عمق القارة الاسترالية يقع منجم

آرجايل، أضخم منجم للألماس في العالم.
للوصول إلى هذه الحجارة الثمينة يجب استخدام سبعمائة كيلو جرام من المواد المتفجّرة، لقد تمّ إخلاء المنجم، وفريق التفجير جاهز، في أسفل هذه الأنقاض توجد حجارة بركانية تحتوي على الألماس.
بعد التفجير على الشاحنات أن تنقل الحجارة التي لا تساوي شيئًا إلى مكان بعيد، إنه عمل شاق، لكنّه يدر الأرباح الكثيرة.
إن مائة وخمسين مليون طن من هذه الحجارة السوداء تحتوي على حوالي طن واحد من الألماس، كل هذه الحجارة تمرّ على آلة تفتّتها، الألماس أقسى من الحجارة لذا تعجز الآلة عن تفتيته.
في آلة الغسيل الضخمة يتمّ تنظيف الحجارة التي تحتوي على الألماس، يضاف نوع من مادة السيليكون لتفصل الحجارة الخفيفة عن الألماس الثقيل الوزن، وفي مغطس من المواد القلوية ينظف الألماس الخام أخيرًا، وبعد ذلك يبدأ فرز الألماس.
تعتبر حجارة الألماس الكبيرة الحجم الأغلى ثمنًا في العالم؛ لذا لا تفرز آليا، بل يقوم العمال بإبعادها بأيديهم.
إن حجرًا صغيرًا كهذا يساوي حوالي سبعة آلاف يورو، وبالتالي تكون محاولات السرقة كبيرة لهذا السبب تتخذ في كل مناجم الألماس إجراءات أمنية مشدّدة.
يوميا يقوم العمال بالتنقيب عن الألماس في أربعة وخمسين دهليزًا، وذلك يكون على خمسة مستويات مختلفة في باطن الأرض.
نحن هنا في منجم في جنوب إفريقيا، المنجم يزداد اتساعا، وقريبا سوف يتم استخراج نحو ثلاثة ملايين طن من الألماس.
ولكي لا يخرج أحد العمال من المنجم حاملاً ماسة معه مهما صغر حجمها، فعليه أن يمرّ عبر الكاشف.
إنه كاشف يعمل بالأشعة السينية، حتى أن محاولة ابتلاع الحجارة هذه لن تكون فكرة جيدة، في كل يوم على العمال الخضوع لهذه الإجراء مدة عشرين ثانية، ومن المفترض ألا تسبب هذه الأشعة أي أذى لهؤلاء العمال.
إن مالكي المناجم يعرفون، أن الألماس لا يجذب النساء فقط، فالألماس نادر جدًا في عالمنا، وقد تكوَّن في ظروف طبيعية خاصّة.
يعتقد بعض العلماء أن ذلك قد حدث قبل ملايين السنين وعلى عمق ثلاثمائة كيلومتر في باطن الأرض.
في حرارة تزيد على الألف درجة مئوية وضغط هائل يفوق أربعين ألف بار تراصّت ذرات الفحم الحجري فوق بعضها بعضا، طبقات صخرية تحرّكت ببطء نحو الأعلى وبدأت تبرد شيئًا فشيئًا ومن ثم تبلور الفحم حجري، وبعد ذلك تكوّن الألماس، إن تكوينه المتشابك جعله من أقسى المواد في العالم.
يظن بعض العلماء أنه قبل ما يقارب سبعين إلى مائة وخمسين مليون سنة دفعت تحرّكات الأرض الباطنية بكميات كبيرة من الألماس إلى سطح الأرض، ومع مرور الوقت تسبّبت الرياح والأمطار في انفصال الألماس الخام عن الحجارة ثم اتجه إلى داخل الأرض، وهكذا أمكن العثور على هذه الحجارة الثمينة في قعر البحار.
هذه سفينة تنقيب عن الألماس تضمّ حفارة ضخمة، منذ تسع سنوات لم يتحرّك قبطان هذه السفينة الخاصة بعيدًا عن سفينته سوى بضعة كيلومترات فقط كي لا يغفل عن رؤية أية ماسة قد يعثر عليها في قاع البحر.
تستغرق عملية الحفر حوالي عشر دقائق، ثم يقوم قائد الفريق على السفينة بتحريك السفينة مسافة ثلاثة أمتار، يضخ الرجال كل سنتمتر مربع من قاع البحر إلى سطح السفينة، وأثناء الحفر تقوم الآلة بضغط الهواء نحو الأسفل وتقوم الأنابيب الضخمة بامتصاص الرّمال نحو الأعلى.
تقوم الطوافة بنقل الألماس بعد فرزه، وجهة سيرها في غاية السرّية بالطبع فهي تنقل الاختصاصيين البارعين في صقل الألماس.
لا يوجد في أي مكان آخر في العالم، كما يوجد هنا في حيّ الألماس هذا، العدد الهائل من رجال الشرطة على مساحة لا تتعدّى الكيلومترين فقط.
إن اختصاصي الألماس هو ألماني الأصل، وهو يملك مكتبا هنا، وسيقوم اليوم بشراء الألماس الخام من ممثلٍ لأحد المناجم الإفريقية، على كلٍ منها أن يأخذ الحيطة والحذر، وهذا الأمر يجب أن يبقى سرّا.
الماس خام، درجة أولى من حيث النوعية، تُنتقى أفضل حبوب الألماس وأكثرها وزنا، وطبعًا تكون هناك مساومة في السعر.
يحاول الاختصاصي انتقاء الألماس الجيد ويساوم في سعره، ولأن ممثل المناجم الأفريقية يعرف قيمة البضاعة فإنه يساوم أيضًا بقناعة للحصول على السعر المناسب، وبعد أخذ ورد، وسرية تامة كما قلنا، يتوصلان إلى اتفاق يرضي الفريقين.
وبعد عملية البيع والشراء هذه يقوم يقوم الاختصاصي الألماني بإرسال الألماسة الخام إلى مَشْغل خاص حيث يصقلها.
هنا في بلجيكا بدأ صقل الألماس قبل حوالي خمسمائة عام، في الماضي كان يعمل الصائغ في صقل الألماس على الطريقة المعروفة، أي من خلال فرك الواحدة بالأخرى، لكنه لم يكن راضيا عن النتيجة. 
إن الألماس لم يكن يتلألأ بما يكفي، ويحتاج إلى صقل أفضل، لكن ما السبيل إلى ذلك؟ 
كانت الفكرة عبارة عن استخدام عجينة شحذ من غبار الألماس، يستطيع بواسطتها أن يشحذ سطح الألماس بشكل أفضل! 
وللحصول على هذه العجينة مزج حجارة مطحونة بزيت الزيتون، ووزع العجينة على الاسطوانة المتحرّكة.
تسمح جزيئات الألماس التي تتواجد داخل العجينة بشحذ الألماس بدقة، إنها ثورة في مجال صقل الألماس.



سرعان ما بدأت حلى الصائغ تتلألأ أكثر من غيرها، ثم ابتعدت آلة شحذ الألماس العصرية لكن المبدأ بقي كما هو حتى اليوم.
الأمر نفسه ينطبق على هذا المَشْغل لشحذ الألماس، يحدّد رئيس العمال أي شكل من الألماس يريد، ولأجل ذلك يقيس كل حجر ويحدد حجمه بدقة، وهذا ما يقوله:
علينا أن نعرف هذا الحجر جيدًا، ويعني أن علينا أن ننظر إلى الحجر المصقول على أنه حجر خام، رغم أن ذلك تصعب رؤيته.
كي يستطيع العامل من شحذ قطعة الألماس بشكل أفضل، يقوم بلصقها على قضيب معدني لأن ذلك يسمح له بالتحكم فيها، إن أقل خطأ في الشحذ تقوم به الآلة ستجعل الحجر يفقد من وزنه ومن قيمته.
بعد تثبيت القضيب المعدني بدقة، تخضع هذه الماسة لشحذ أولي بالتوازي مع ماسة أخرى، تقوم الآلة بتكوين الشكل الأساسي للحجر، والمحطة الأخيرة هي عملية الشحذ النهائي وهي التي تمنح الحجر بريقه النهائي.
بعد الشحذ تخضع الماسة للتدقيق النهائي تحت مجهر يكبّرها أربعين مرة، الجوانب صحيحة، والقياسات والزوايا صحيحة أيضًا.
بعض هذه الماسات اكتسب شهرة كبيرة، مثل ماسة "كوهي نور" التي تتوسط تاج الملكة إليزابيث ملكة بريطانيا، إن هذه الألماسة لها تاريخ طويل.
اكتشف الهنود ماسة كوهي نور منذ حوالي أربعة آلاف سنة، وتزعم الأسطورة أن مالك هذه الماسة كان يحكم العالم.
كانت هذه الماسة تزين تيجان ملوك المغول، وقد أعجبت هذه الألماسة تاجرًا فارسيًا يدعى "نادر شاه" لكن الحاكم الهندي رفض التخلي عنها.
وقد اكتشفت إحدى جواري التاجر الفارسي مكان الألماسة، فقد كانت في عمامة ملك المغول! وعلم "نادر شاه" التاجر الذكي أن فرصته قد حانت لاستبدال العمائم! وكان ذلك التقليد في الماضي دلالة على الصداقة، وهو هدية لا يمكن لأحد أن يرفضها.
عندما وصلت الألماسة إلى يد نادر صرخ قائلاً "كوهي نور" ومعناها "جبل الأنوار"، وبعد مراحل عديدة قطعتها هذه الألماسة، التي حيكت حولها الأساطير الخرافية، انتهت وسط التاج الملكي البريطاني، جواهر التاج البريطاني ترمز إلى المملكة البريطانية، فقط في حفلات التتويج تخرج هذه الجواهر من برج لندن ليتزيّن بها الحكام والملوك.
يمتلك معلّم البناء الألماني "جارتل" كنز شبيه بالكنز البريطاني وهو يوجد في غرفة جلوسه، كل أعماله البراقة شبيهة بالجواهر الحقيقية، لكنها ليست ماسا أصليًا، إن آخر مشروع يقوم به "جارتل" هو سنابل القمح الملكية، وللقيام بذلك يحتاج إلى قالب من القصدير.
فيما يبرد القصدير يعمل جارتل على قطعة أخرى، إن هذا التاج على وشك أن ينتهي العمل به، يخرج جارتل القصدير من القالب بحذر، ثم يحفر ثقوبًا لتوضع فيها الحجارة الزجاجية.
لقد أصبح تصنيع جواهر التاج الملكي هوايته منذ أن وقع بصره مصادفة على كتاب عن التاج الملكي البريطاني.
إن جواهره ليست ذات قيمة مادية، لكنه فخور جدًا بها، ربما لن تكون سنابل القمح هذه آخر قطعة في مجموعته، لأن لائحة هذا الحرفي الماهر طويلة.
وللتعرّف على صحّة الألماس وعدم زيفه، هناك أربعة أشياء يجب أخذها بعين الاعتبار، أولاً: العيار، ثم الشحذ، ثم اللون، وأخيرًا النقاوة.
إنها تتميّز بشكل نقطة الماء ولونها أبيض كلون معظم الألماس، وهي اليوم جزء من جواهر التاج في برج لندن، حيث تزيّن الصولجان.
إن ماسة دريسدن التي تشبه الإجاصة في شكلها، تتميز باللون الأخضر بسبب التأثيرات النووية وهي محفوظة في قصر دريسدن. 
تعتبر ماسة فلورنتين من أضخم الماسات ذات اللون الأخضر، وهذا اللون اكتسبته نتيجة تنظيفها بمادة الآزوت، وقد اختفت منذ الحرب العالمية الأولى.
وماسة "بلو هوب" التي تشبه الوسادة موجودة في معهد في واشنطن، ولونها أزرق ليلكي، ويعتقد أنها كانت عينا لأحد التماثيل الهندوسية، وهذه الألماسة جلبت المشاكل لمالكها، فقد قبضت عليه الشركة بجرم الاتجار غير الشرعي وصادرت الألماسة، وهي حاليا لدى شرطة الألماس في جوهانسبورغ، جوهان مايبرج عضو في مجموعة خاصة من شرطة الألماس.
جوهان مايبرج:
هنا نحتفظ بالألماس المصادر خلال عمليات المداهمة في ظروف مختومة، تفتح هذه الظروف عند بدء المحاكمة، وعدا ذلك تبقى مقفلة ومختومة بالشمع الأحمر.

إلى جانب الألماس يحتفظ رجال الشرطة بالجواهر المزيفة والمصنوعة من الزجاج أو البلاستيك.
إن تجارة الألماس في جنوب أفريقيا تحتاج إلى ترخيص خاص، ولا فرصة أمام السارقين في بيع الألماس المسروق بواسطة تجار مزيفين، تحاول الشرطة الإيقاع بالتجار غير الشرعيين، وهاتان الماساتان هما الطعم.
إن الشخص الذي يعمل متخفيا هو المحقق "نيريس"، وقد أعطي ماسة حقيقية ليتصرّف بها، آخر المعلومات تقول إنه على موعد مع أحد التجار المحتملين في مكان سرّي، وهناك يختبئ قائد الفريق وزملاؤه.
عليهم الانتظار إلى أن يظهر التاجر المزوِّر، المحقق "نيريس" مجهّز بآلة تصوير مخفية ومجهز بميكروفون، يلتقي الرجل الذي من المفترض أن تقبض عليه الشرطة متلبسًا.
الشاري يتحقق من الألماس، وفي هذه اللحظة ينقض قائد الفريق ورجاله، وبعض العملية يضعون الألماس في مكان آمن بعد التأكد منه.
بالنسبة للتاجر كانت الماسات طعمًا له، فالمرء لا يقوم بأمور معقدة كي يصل إلى البضاعة الحقيقية.
بطريقة شرعية ودون رأسمال إطلاقًا، يتمّ التنقيب هنا في فوهة الألماس في أركنساس! 
منذ أن اقفل منجم الألماس عام ألف وتسعمائة وأربعة وسبعين م، سُمح لأيٍ كان بالمجيء إلى هنا، وإذا عثر المرء على شيء ما، يمكنه الاحتفاظ به! 
يتم هنا البحث عن الألماس لجذب السياح، بثياب غير لائقة للعمل ودون الأدوات الضرورية يأمل الناس هنا في العثور على شيء ذي قيمة، لكن النتيجة ضئيلة جدًا بالنسبة إلى الكثيرين، أما المتعة فكبيرة.
إن منقبي الألماس الحقيقيين لن يرضوا أبدا بنتيجة هزيلة كهذه، عند أطراف الفوهة، حيث المكان موحل جدًا بالنسبة للسياح يقوم البعض بالتنقيب الجدي.
طريقتهم هي نفسها التي نفسها التي كانت تُعتَمد منذ عشرات السنين، الحفر ثم الحفر، وبعد ذلك تفرغ الحفرة من المياه الجوفية، ويتم إخراج الأوحال والحجارة، وبعد ذلك تأتي عملية الغسل والتصفية، ودائما التصفية بالمصفاة! بعد هذا التنقيب كله، يجد المنقّب عن الألماس شيئًا منه ولو كان ضئيلاً، كهذه الماسة.
إن الألماس لا يستخدم كحلية باهظة الثمن فقط، إن المادة التي تكوِّن الألماس يمكن لأي شخص الحصول عليها، إنها موجودة في القلم الرصاص.
يعتقد عدد من العلماء أن بعض هذا الفحم الحجري في قلم الرصاص تعرّض لضغط هائل قبل ملايين السنين إلى أن تحوّل إلى ألماس.
كل منا كان يملك على الأقل ماسة واحدة، وأعني بها تلك التي كانت موجودة في إبراة الفونوغراف.
منذ بدء صنْعِ الاسطوانات يقوم هذا الحجر البرّاق بدوره، فهو يحفر أخاديد الاسطوانة، كما ويستخدم في تصنيع العدسات اللاصقة، إن سكينا من الألماس يمنح العدسة اللاصقة شكلها الصحيح، لكن الوظيفة الرئيسية للألماس تبقى في التزيين؛ لأنه لا شيء يبرق ويلمع كالألماس.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق